بقلم / مجاهد منعثر منشد
جلسنا في عيادة طبيب العيون , سيل نمل من المتسولين , أولاد بعمر العاشرة يقبلون المرضى من أجل عطاء مالي , ثم نساء يرتدين العباءات السوداء ويسترن الوجوه بقطع قماش باللون ذاته يرددن الكلام المعروف لتهييج المشاعر , واحدة منهن أثارت حفيظتي وحفيظة بعض الرجال عندما رفعت صوتها أمام الصبايا بكلمات لا تليق, ويحها من متسولة صفيقه تصنع .
ما دفعني لمخاطبتها :هيهات منا الذلة , وهناك رعاية اجتماعية، اكتفي بالقليل وصوني كرامتك والله الرازق . قامت بالإفلات والهروب.
أمسيت برؤيتها مكتئباً من بشاعة ذاك المنظر ومعترك أحداقي انشغلت ببناتي في العيادة , أشعر بتساؤلات تدور في أذهانهن وكأن ذويهن يطلبوا مني الاسراع بالحديث لهن .
قلت : بناتي رب السماء يأمر بالبحث عن المتعففين الذين لا ينطقون باحتياجهم . وهذه استأصلت كرامتها وزرعت الذلة بديلا لها فطوعت وسخرت لسانها لما زرعت من أجل الحصول على القرش. لقد مر على بلادنا حصار مروع لم نسمع أمهاتنا تتفوه بكلمة : غير موجود , بل يصنعن ما لا يتوقع ويأمروننا أن نقول الحمد لله .
وفعل هذه المتسولة ليس خطيئة فحسب ,أنها كبيرة من الكبائر, وأكيد كلامها اصاب قلوبكن الرقيقة بلحاظ رأيت الدموع تغرق عيونكن ولكن لو تسألون كل كبار السن ونتيجة خبرتهم بمعرفة صدق قولها من عدمه سيقولون لكم : رائحة كذبها تزكم أنوفنا, ياليتنا لم نلقاها .
سؤالي : هل تحس أحداكن ببؤس مقرون بمرأها ؟
قلن : كلا .
ـ هل تعرفن غم يضنيها أو هم ينحلها أو داء ألم بها, أو علمتن بموت عزيزا ثناها ,آين منظر الحزن لما ابتلاها , فاين ظواهر شكواها ؟
صوتها بلا دمع ما يؤكد خزي محياها , وسأكلمكن عن عفيفة تبيع مناديل الأنوف , تثقل العفة ممشاها, هما وغما دنياها ,فقيره تهمس مع نفسها بشكواها , أن أنسى لا أنسى كنت اراها , لا تشكو الفقر وتحمر عيناها , كفها أصفر من جوع فاها , يفوتها النطق من شدة الحياء ولا تصرح عن اذاها . لمثل تلك عند مصابها النفس تشجاها , وتتهاوى الشرفاء وفودا إليها , يشترون منها ليسترضوا الله.